السبت، 24 مارس 2012

خطب السيدة زينب في مجلس يزيد




الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن)(53).
أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأسراء ـ ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، وفمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (ولا تسحبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين)(54).
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأقة، بإراقتك دماء ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.
اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.
فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، يأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)(55).
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً، واضعف جنداً.
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.
الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لنجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول.
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل)(56).

آراء المستشرقين في التشيع







آراء المستشرقين في التشيع

وإن لكثير من المستشرقين خططا يقومون بتنفيذها عن طريق الكتابة أو خططا استعمارية يقوم بتنفيذها كثير من المستشرقين في البلدان الإسلامية والمتتبع يجد ذلك فيما يكتبونه فهم يثيرون أحقادا ويوقظون الفتنة وكل ينتصر إلى جهة وقد اشتدت حملتهم على الشيعة من بين الفرق الإسلامية لأسباب نوضحها فيما بعد.
ولسنا الآن بصدد عرض ما قاموا به من النشاط في صفوف المسلمين لفتح باب الخلافات ولكننا نريد أن نعطي صورة عما قاموا به من تزييف الحقائق والمغالطة ليطعنوا في العقائد الإسلامية من باب أين ما أصابت فتح.
وقلدهم في ذلك بعض الكتاب عن دراية أو غير دراية فمن تلك الآراء التي تحمل طابع التزييف للحقائق التاريخية أو الجهل المزري هو ما ذهب إليه "جوبينو" بقوله حول تشيع الفرس: كانت هذه النظرية عقيدة سياسية وهي التشيع غير متنازع فيها عند الفرس وهي أن العلويين وحدهم يملكون حق حمل التاج وذلك بصفتهم المزدوجة لكونهم وارثي آل ساسان من جهة امهم "بيبي شهر بانو" ابنة يزدجرد آخر ملوك الفرس والأئمة رؤساء هذا الدين حقا. ثم يأتي من بعده "بارون" فيؤيد هذه النظرية بإيضاح السبب الذي استمال الفرس إلى التشيع معتمدا على ما قاله جوبينو في هذا الصدد فيقول بارون: "إني أعتقد أن جوبينو قد أصاب فيما قاله: أن نظرية الحق الإلهي وحصرها في البيت الساساني كان لهما تأثير عظيم في تاريخ الفرس في العصور التي تلتها إلى أن يقول : ومن جهة اخرى فإن الحسين وهو أصغر ولد فاطمة بنت النبي وعلي ابن عمه قد قالوا: إنه تزوج من "شهر بانو" ابنة يزدجرد الثالث آخر ملوك آل ساسان" (15).
هذا هو منطق المستشرق جوبينو وهذه عقليته إذ يجعل التشيع فارسيا بحتا وإن تشيع الفرس كان منهم تعصبا لا تدينا؛ لأنهم أصهار آل علي(عليه السلام)فالذي دفعهم لمناصرة آل علي في نظره هو علقة المصاهرة؛ لأن الحسين(عليه السلام) قد تزوج إحدى بنات يزدجرد اللاتي جيء بهن سبايا في أيام خلافة عمر بن الخطاب وكن ثلاث بنات فاشتراهن الإمام علي(عليه السلام) ودفع واحدة لعبدالله بن عمر فأولدها سالما ودفع الثانية إلى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم ودفع الثالثة لابنه الحسين(عليه السلام)فأولدها زين العابدين(عليه السلام)(16).
فعلي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) والقاسم وسالم هم أبناء خالة لأنهم أولاد بنات يزدجرد.
فدليل هذا المستشرق على ارتباط التشيع بالفرس ومناصرة أبناء فارس لأهل البيت إنما كان للمصاهرة كما يذهب جوبينو وغيره وهذا من خطل الرأي وسقم التفكير.
ويقول "ولهوسن": إن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية مستدلا باسطورة ابن سبأ الخرافية(17). وما أكثر من يصدق بالأساطير ويخضع للخرافات.
ويقول دوزي وغيره من المستشرقين: إن أصل التشيع فارسي. مستدلين بالمصاهرة المذكورة وإن الفرس تدين بالملك وبالوراثة في البيت المالك والشيعة تقول بوجوب طاعة الإمام(18).
ويقول "نيبرج" في مقدمة كتاب الانتصار للخياط: وكانت الشيعة محل امتزاج الثنوية بالإسلام خاصة... إلخ (19).
إلى كثير من تلك الأقوال المفتعلة والآراء الشاذة المنافية للحقائق من جعل التشيع فارسيا بحتا وغرضهم في ذلك هو أن تصبح عقيدة الشيعة ذات صلة بعقائد الفرس القديمة وبهذا فهم يطعنون في العقيدة الإسلامية في الصميم كما أنهم قد جعلوا إسلام أبناء فارس إسلاما عنصريا لا إسلاما حقيقيا منبعثا عن عقيدة راسخة.
هذا هو منطقهم الخاطئ وهذه هي آراؤهم الشاذة وأقوالهم الكاذبة وهم لا يلامون على ما جنوه لأنهم خصوم الإسلام وهل يرتجى الخير من خصم يحترق قلبه بنار الغيظ وقد آن لهم أن يشفوا غيظهم وينفثوا سمومهم بين المجتمع الإسلامي. فلا لوم عليهم ولكن اللوم كل اللوم على كتاب يدعون الحمية على الإسلام وأهله فيقرون في بحوثهم تلك الآراء ويثبتون تلك الطعون وكأنها مكرمة جاءوا بها للامة؛ حتى بلغ الانحراف والشذوذ ببعضهم أنه نسب إلى أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وخريجي مدرسته بأنهم قد أخذوا بآراء ابن سبأ اليهودي وتأثروا بتعاليمه(20).
وهذا من أعظم الجنايات وأقبح الامور ولكن هذا القائل قد بلغ حدا في مناصرة الباطل جعلنا نتهاون في أمره فألقيناه في سلة المهملات غير مأسوف عليه لأن الانشغال بكل ما بدر من أعداء الإسلام يفوق الطاقة ولذا فهو من مهمات المسلمين جميعا.
ونجد أحمد أمين في بحوثه وبالأخص في فجر الإسلام(21) قد أخذ بهذه الآراء وأقرها كأنها مصدر وثيق لا يتطرق إليه وهن ولا يداخله أي نقاش.
وكذلك الدكتور حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام السياسي(22) والشيخ محمد أبو زهو في كتابه الحديث والمحدثون(23) ومصطفى الشكعة(24)وغيرهم فالجميع قد ساروا على هذا الخط الذي رسمه أمثال هؤلاء المستشرقين بدوافع واحدة وأغراض معينة لا تبعد عن محاولة الإساءة للإسلام وتشويه عقائده بدون رجوع إلى الوثائق التاريخية التي تفند هذه المزاعم ولا يتسع المجال إلى عرض أقوال هؤلاء الكتاب المقلدين وللمثال نضع في هذا المورد قول أحد الكتاب المعاصرين وهو الاستاذ مصطفى الشكعة إذ يقول: والمنطق في ذلك أن الفرس يعتقدون أنهم انسباء الحسين لأنه تزوج جهان شاه "سلافة" ابنة يزدجرد بعد أن وقعت أسيرة في أيدي المسلمين ولقد أنجبت سلافة عليا زين العابدين وإذن فهم أخوال علي ويمكن الربط بين تحمسهم لابن ابنتهم وبين تشيعهم. فتشيعهم والحال كذلك لا يمكن أن يقال أنه تشيع عقيدة خالصة بل هو أقرب إلى تشيع العصبية منه إلى تشيع العقيدة وتشيع العصبية يساوي تشيع السياسة ففكرة التشيع من ناحية الفرس على الأقل فكرة سياسية خالصة بل إن بعض الفرس قد أعلن انتصاره لعلي زين العابدين لما يربط بين الفرس وبين بيت الحسين مننسب(25).

قتال عيسى للدجال

قتال عيسى للدجال
عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا يا عباد الله فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي (( إنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فـ )) يقول أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستغيث بالله وليقرأ فواتح الكهف (( فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم )) وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله ويقول له الخبيث من ربك فيقول ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم قال أبو الحسن الطنافسي فحدثنا المحاربي ثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة قال قال أبو سعيد والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعي ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل (( وجلهم ببيت المقدس )) وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى عليه السلام (( إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها )) فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فأنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصف السنة والسنة كالشهر والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي فقيل له يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار قال تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون عيسى بن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض كفا ثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ويكون الثور بكذا وكذا من المال وتكون الفرس بالدريهمات (( قالوا يا رسول الله وما يرخص الفرس قال لا تركب لحرب أبدا قيل له فما يغلي الثور قال تحرث الأرض كلها )) وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى آت تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله قيل فما يعيش الناس في ذلك الزمان قال التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام قال أبو عبد الله سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب.
رواه ابن ماجه ( 4077 ) .

مناظرت الامام الكاظم ( عليه السلام ) مع علماء اليهود

مناظرته ( عليه السلام ) مع علماء اليهود :
قصد وفد من علماء اليهود الإمام الصادق ( عليه السلام ) ليحاججوه في الإسلام ، فلمّا مثلوا بين يديه انبروا إليه يطلبون منه الحجّة و الدليل على نبوّة
رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، قائلين : أي معجز يدل على نبوّة محمّد ؟
أجابهم ( عليه السلام ) : ( كتابه المهيمن ، الباهر لعقول الناظرين ، مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما ، ممّا لو ذكرناه لطال شرحه ) ، فقالوا : كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت ؟
فانطلق الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، و كان آنذاك صبياً قائلاً لهم : ( و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات الله لموسى على ما تصفون ؟ ) ، قالوا : علمنا ذلك بنقل الصادقين .

قال لهم : ( فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقّنه الله تعالى من غير تعليم ، و لامعرفة عن الناقلين ) ، فبهروا و آمنوا بقول الإمام الكاظم الصبي ( عليه السلام ) ، الذي هو المعجز بحق ، و هتفوا معلنين إسلامهم قائلين : نشهد أن لا اله إلاّ الله ، و إنّ محمّداً رسول الله ، و إنّكم الأئمّة الهادون ، و الحجج من عند الله على خلقه .
و لمّا أدلى الإمام ( عليه السلام ) بهذه الحجّة و أسلم القوم على يده ، وثب إليه والده ( عليه السلام ) ، فقبّل ما بين عينيه ، و قال له : ( أنت القائم من بعدي ) ، ثمّ أمره بكسوة لهم و أوصلهم ، فانصرفوا ، و هم شاكرون .



مناظرته ( عليه السلام ) مع علماء النصارى :
جاء قطب من أقطاب النصارى و من علمائها النابهين ، يدعى بريهة ، كان يطلب الحق و يبغي الهداية ، اتصل بجميع الفرق الإسلامية ، و أخذ يحاججهم فلم يقتنع ، و لم يصل إلى الهدف الذي يريده ، حتّى وصفت له الشيعة ، و وصف له هشام بن الحكم ، فقصده و معه نخبة كبيرة من علماء النصارى ، فلمّا استقر به المجلس سأل بريهة هشام بن الحكم عن أهم المسائل الكلامية و العقائدية ، فأجابه عنها هشام .
ثمّ ارتحلوا جميعاً إلى التشرّف بمقابلة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، و قبل الالتقاء به اجتمعوا بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فقصّ عليه هشام مناظراته و حديثه مع العالم النصراني بريهة .
فالتفت ( عليه السلام ) إلى بريهة ، قائلاً له : ( يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ ) قال : أنا به عالم .
فقال ( عليه السلام ) : ( كيف ثقتك بتأويله ؟ ) قال : ما أوثقني بعلمي به !
فأخذ ( عليه السلام ) يقرأ عليه الإنجيل و يرتّل عليه فصوله ، فلمّا سمع ذلك بريهة آمن بأنّ دين الإسلام حق ، و إنّ الإمام من شجرة النبوّة ، فانبرى إليه قائلاً : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة .
ثمّ إنّه أسلم و أسلمت معه زوجته ، و قصدوا جميعاً والده الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فحكى له هشام الحديث ، و إسلام بريهة على يد ولده الكاظم ، فسرّ ( عليه السلام ) بذلك ، و التفت قائلاً له : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

و انبرى بريهة إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) قائلاً : جعلت فداك ، أنّى لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء ؟! ، قال ( عليه السلام ) : ( هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرأوها ، و نقولها كما قالوها ، إنّ الله لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء ، فيقول : لا أدري ) . و بعدها لزم بريهة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، و صار من أخلص أصحابه ، و لما انتقل الإمام إلى دار الخلود اتصل بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) حتّى توفّي في عهده .

الخضر ونصرة الإمام المهدي عليه السلام

الخضر ونصرة الإمام المهدي عليه السلام


أولاً: قيل أن الخضرعليه السلام اسمه خضرويه بن قابيل بن آدم عليه السلام.

ثانياً: اسمه بليا بن ملكان بن عامر بن ارفخشد بن سام بن نوح .

ظاهر العديد من الروايات أن الخضرعليه السلام لم يكن نبياً ولا رسولاً ولكن كان رجلاً صالحاً وولياً من أولياء الله تعالى محدثاً ، ويشهد لهذا المعنى : سُئل الإمام الباقرعليه السلام عن المحدث ، فقال عليه السلام : ينكت في أذنه فيسمع طنيناً كطنين الطست أو يقرع على قلبه فيسمع وقعاً كوقع السلسلة على الطست.
قال السائل أنه نبي .
قال عليه السلام : لا إنه مثل الخضر وذي القرنين.

ثالثاً : ظاهر العديد من الروايات أن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة وإنه باقي على قيد الحياة حتى ينفخ في الصور أو إلى أن يشاء الله . ويشهد لهذا المعنى ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: {{ أن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة ، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور....}} .

رابعاً : العلة أو الحكمة من اختيار الله تعالى للخضر عليه السلام وإطالة عمره الشريف يمكن تعددها أو تعدد تطبيقاتها ، منها:

1) الاحتجاج به على الأنبياء والصالحين عليهم السلام كما في قصة موسى عليه السلام.

2) الاحتجاج به على الأشرار الضالين وبالخصوص على قطب الشر المتمثل في الدجال الأكبر دجال آخر الزمان ، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآلِهِ : {يأتي الدجال وهو محـّرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ..... يخرج إليه يومئذ رجل (خضر) هو خير الناس أو من خير الناس ، فيقول (الرجل) أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآلِهِ حديثه ، فيقول الدجال : أرأيتم أن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟
فيقولون : لا
قال الرسول صلى الله عليه وآلِهِ : فيقتله ثم يحييه فيقول (الرجل) حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن .
قال صلى الله عليه وآله : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه.....}} .

3) الاحتجاج به على الناس عموماً كما في (1) و (2) وكما في إقراره بنبوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآلِهِ وإقراره بإمامة أهل البيت المعصومين عليهم السلام واحد بعد واحد
فعن الباقر عليه السلام : { أن الخضر (عليه السلام) حضر عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد بإمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) واحد بعد واحد يسميهم بأسمائهم حتى انتهى إلى الخلف الحجة (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه) }.
وعن الصادق عليه السلام: { دخل أمير المؤمنين(عليه السلام) المسجد ومعه الحسن (عليه السلام) فدخل رجل فسلّم عليه ......
فقال(الرجل) : يا أمير المؤمنين جئت أسألك..
فنظر أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى الحسن(عليه السلام) فقال : أجبه...فقال الحسن (عليه السلام)....
فقال (الرجل) أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، وأشهد أن أباك أمير المؤمنين وصي محمد حقاً حقاً ، ولم أزل أقوله ، وأشهد انك وصيه ، وأشهد أن الحسين وصيك حتى أتى على أخرهم ...
قال (الراوي) : فمن كان الرجل
قال الإمام الصادق عليه السلام: الخضر(عليه السلام)

4) التشرف والتبرك بوجوده المقدس لتأمين دعاء المؤمنين المخلصين ولدعائه (عليه السلام) للمؤمنين .
فعن الإمام الرضا عليه السلام : { أن الخضر شرب من الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وانه وأنه ليأتينا فيسلّم فنسمع صوته ولا نرى شخصه وأنه ليحضر ما ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه وانه ليحضر الموسم كل سنة ، فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة ، فيؤمن على دعاء المؤمنين .

5) يؤنس وحشة قائمنا أرواحنا له الفداء في غبيته ووحدته ووحشته .
فعن الإمام الرضا عليه السلام : {{....أن الخضر(عليه السلام) يؤنس الله تعالى به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته }} .

6) ويمكنا أن يرجع جميع ما ذكر إلى الانتصار به للحق وأهله على طول الزمان وادخاره إلى نصرة الناصر للحق والآخذ للثأر الإمام صاحب العصر والزمان أواحنا له الفداء كما في الرواية السابقة وغيرها.


خامساً : ولنرد في المقام ما نفهم به المعاند والمغالط بإتمام الحجة العلمية والأخلاقية والشرعية عليه فإذا كابر فهو كالبهيمة بل أضل سبيلاً ، حيث يقال أن أطالة عمر الخضر (عليه السلام) كي يحتج به الموالي المخلص على أعدائه المعاندين ممن يعترض على طول عمر قائم آل محمد عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم فعمر الخضر(عليه السلام) لحين الظهور المقدس هو أطول من عمر الإمام المعصوم أرواحنا فداه .

فعن الإمام الصادق عليه السلام : { أما العبد الصالح أعني الخضر(عليه السلام) ، فإن الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوءة قدّرها له ، ولا لكتاب ينزله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له ، بلى أن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم (عليه السلام) في أيام غيبته ما يقدّر ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر الطويل ، طوّل عمر العبد الصالح ، من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم(عليه السلام) وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة .


بحث حول الإمام المهدي الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ونُريدُ أن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ وَنَجْعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين)(1)[/align]

التمهيد:

ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض.

تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، وبعد عناءٍ طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدَّ على غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشدِّ الأيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسَّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، تصفى فيه كل التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام.

وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان.

وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكِّد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلأ قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة، فهو مصدر عطاء، لأن الإيمان بالمهدي إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمَّت الخطوب وتعملق الظلم، لأن اليوم الموعود، يثبت إن بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، وإن الظلم مهما تجبَّر وامتدَّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدراته، فهو حالة طبيعية، ولابد أن ينهزم، وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده، تضع الأمل كبيراً أمام كل فرد مظلوم، وكل أمة مظلومة في القدرة على تغير الميزان وإعادة البناء.

وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي أنشدت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءً وأقوى إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذبين على مرِّ التاريخ وذلك لأن الإسلام حوَّل الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد، المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم، فلم يعد المهدي (عليه السلام) فكرةً ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدَّ يده إلى كل مظلوم وكل محروم، وكل بائس ويقطع دابر الظالمين.

وقد قدِّر لهذا القائد المنظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للآخرين حياته على الرغم من إنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرّب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين، والمنقذ المنظر وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يراد منها أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً، عن إنسان حي محدد يعيش فعلاً كما نعيش ويترقب كما نترقب، يراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي، تجسَّدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له.

وقد ورد في الأحاديث الحث المتواصل على انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهدي أن يكونوا بانتظاره، وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض، وكل ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالإمكان إيجادها ما لم يكن المهدي قد تجسَّد فعلاً في إنسان حي معاصر.

وهذا نلاحظ إن هذا التجسيد أعطى الفكرة زخماً جديداً، وجعل منها مصدر عطاءٍ وقوة بدرجة أكبر، إضافة إلى ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان، حين يحس إن إمامه وقائده يشاركه هذه الآلام ويتحسَّس بها فعلاً بحكم كونه إنساناً معاصراً، يعيش معه وليس مجرد فكرة مستقبلية.

ولكن التجسيد المذكور أدى في نفس الوقت إلى مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها، لدى عدد من الناس الذين صعب عليهم أن يتصوروا ذلك ويفترضوه.

فهم يتساءلون! إذا كان المهدي يعبر عن إنسان حي، عاصر كل هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر إمداداتها إلى أن يظهر على الساحة، فكيف تأتى لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض على كل إنسان أن يمر بمرحلة الشيخوخة والهرم، في وقت سابق على ذلك جداً وتؤدي به تلك المرحلة طبيعياً إلى الموت، أو ليس ذلك مستحيلاً من الناحية الواقعية؟

ويتساءلون أيضاً! لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات، فتعطل من أجله القوانين الطبيعية، ويفعل المستحيل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود، فهل عقمت البشرية عن إنتاج القادة الأكفاء؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد مع فجر ذلك اليوم، وينمو كما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً؟

ويتساءلون أيضاً! إذا كان المهدي اسماً لشخص محدَّد هو ابن الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي ولد سنة 256 هـ، وتوفي أبوه سنة 260 هـ، فهذا يعني أنه كان طفلاً صغيراً عند موت أبيه، لا يتجاوز خمس سنوات، وهي سن لا تكفي للمرور بمرحلة إعداد فكري وديني كامل على يد أبيه، فكيف وبأي طريقة يكتمل إعداد هذا الشخص لممارسة دوره الكبير، دينياً وفكرياً وعلمياً؟

ويتساءلون أيضاً؟ إذا كان القائد جاهزاً فلماذا كل هذا الانتظار الطويل مئات السنين؟ أو ليس في ما شهده العالم من المحن والكوارث الاجتماعية ما يبرِّر بروزه على الساحة وإقامة العدل على الأرض؟

ويتساءلون أيضاً!! كيف نستطيع أن نؤمن بوجود المهدي، حتى لو افترضنا أن هذا ممكن؟ وهل يسوغ لإنسان أن يعتقد بصحة فرضية من هذا القبيل دون أن يقوم عليها دليل علمي أو شرعي قاطع؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا نعلم مدى صحتها للتسليم بالفرضية المذكورة؟

ويتساءلون أيضاً بالنسبة إلى ما أعدَّ له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود!!... كيف يمكن أن يكون للفرد هذا الدور العظيم الحاسم في حياة العالم، مع أن الفرد مهما كان عظيماً لا يمكنه أن يصنع بنفسه التاريخ، ويدخل به مرحلة جديدة، وإنما تختمر بذور الحركة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها، وعظمة الفرد هي التي ترشحه لكي يشكل الواجهة لتلك الظروف الموضوعية، والتغيير العملي عما تتطلبه من حلول؟

ويتساءلون أيضاً!! ما هي الطريقة التي يمكن أن يتصور من خلالها ما سيتمُّ على يد ذلك الفرد من تحول هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل على كل كيانات الظلم والجور والطغيان، على الرغم مما تملك من سلطان ونفوذ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير وما وصلت إليه من المستوى الهائل في الإمكانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسكرية.

هذه أسئلة قد تردد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر، وليست البواعث الحقيقية لهذه الأسئلة فكرية فحسب، بل هناك مصدر نفسي لها أيضاً، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم على مرِّ الزمن من هذا الشعور تتعمق الشكوك وتترادف التساؤلات. وهكذا تؤدي بالهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدى الإنسان، إلى أن يحسَّ نفسياً بإرهاق شديد لمجرد تصور عملية التغيير بالكبرى للعالم التي تفرغه من كل تناقضاته ومظالمه التاريخية، وتعطيه محتوىً جديداً قائماً على أساس الحق والعدل، وهذا الإرهاق يدعوه إلى التشكك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعاً، لنقف عند كل واحد منها وقفة قصيرة بالقدر الذي تتسع له هذه الوريقات.


اولاً ـ كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل؟

وبكلمة أخرى هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير بالعالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة، أي حوالي 14 مرة من عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرُّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟

وكلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معانٍ، الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي، وأقصد بالإمكان العملي، أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً، فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.

وأقصد بالإمكان العلمي، أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك، أن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلا فراق درجة، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلا مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن عملياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً. وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في بكبد السماء فإنه غير ممكن علمياً، بمعنى إن العلم لا أمل له في وقوع ذلك إذا لا يتصور علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثل آتواناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ـ أي سابقة على التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي، لأن العقل يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربة ـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد وهذا تناقض، والتناقض ومستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العلمي، هذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شكّ في إن امتداد عمر الإنسان آلاف بالسنين ممكن منطقياً، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ولا نقاش في ذلك.

كما لا شك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لها من العمر إلا بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه بعد أن تبلغ قمة نموها أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطل في لحظة معينة، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي، أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب على الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف، أو ما يقوم به من عمل مكثف أو أي عامل آخر؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جاد في الإجابة عليه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي. فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحية نفسها بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول: إذا أخذنا بوجهة النظر هذه فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو على افتراض وجوده قانون مرن، لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية، لا زمنية قد تأتي مبكرة وقد تتأخر ولا تظهر إلا في فترة متأخرة، حتى أن الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء لينة ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نص على ذلك الأطباء. بل إن العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة على أعمارها الطبيعية، وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائنٍ معقد معين كالإنسان فليس ذلك إلا لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة على الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواءً فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخص من ذلك: أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلا إن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي (عليه الصلاة والسلام) وما أحيط به من استفهام أو استغراب.

ونلاحظ: أنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً، لا يبقى للاستغراب محتوىً إلا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر ـ حركة العلم في مجال هذا التحويل؟

فالجواب: أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم. أو ليست الشريعة الإسلامية ككل، قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟ أوَ لَمْ تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلا بعد مئات السنين؟ أوَ لَمْ تأت بتشريعات في غاية الحكمة لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلا قبل برهة وجيزة من الزمن؟ أوَ لَمْ تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها؟! فإذا كنا نؤمن بهذا كله فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة سبحانه وتعالى أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟ وأنا هنا لم أتكلم إلا عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدثنا بها رسالة ب السماء نفسها. ومثال ذلك: أنها تخبرنا بأن النبي (صلى الله عليه وآله)، قد أُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراء إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه إلا بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول ( صلى الله عليه وآله)، التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء. ولكن أوَ لَيْسَ الدور التغييري الحاسم الذي أعد له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس. وما مرت بهم تطورات التاريخ؟ أوَ ليس قد أُنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل؟ فلماذا نستغرب إذا اتسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه.

فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد تاريخياً على الرغم من أنه لا يوجه دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟ أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو نوح الذي نص القرآن الكريم على أنه مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد. والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟




المعجزة والعمر الطويل

وقد عرفنا حتى الآن أن العمر الطويل ممكن علمياً، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم، لا يمكن للبشرية اليوم ولا على خطها الطويل أن تتغلب عليه، وتغير من ظروفه وشروطه فماذا يعني ذلك؟ أنه يعني إن إطالة عمر الإنسان ( كنوح أو كالمهدي) قروناً متعددة، هي على خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل بالتجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويان، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم (عليه السلام) حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم (قُلْنَا يَا نارُ كوني بَرْداً وَسَلاماً على إبراهيم)(2).

فخرج منها كما دخل سليماً لم يصبه أذى، إلى كثير من القوانين الطبيعية التي عطلت لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض ففلق البحر لموسى. وشبّه للرومان أنهم قبضوا على عيسى ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم.

كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ على حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ على حياة حجة لله في الأرض على تعطيل قانون طبيعي وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمته التي أُعِدَّ لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز ذلك، وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أُعِدَّ لها ربانياً فإنه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقاً لما تقرره القوانين الطبيعية.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي:

كيف يمكن أن يتعطل القانون، وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلا مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدد هذه العلاقة الضرورية على أسس تجريبية واستقرائية؟

والجواب: إن العلم نفسه قد أجاب على هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي وتوضيح ذلك: إن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يستدل بهذا الاطراد على قانون طبيعي، وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية تبين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها لأن الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها، ولهذا فإن منطق العلم الحديث، يؤكد أن القانون الطبيعي ـ كما يعرفه العلم ـ لا يتحدث عن علاقة ضرورية بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدى الظاهرتين عن الأخرى في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصماً لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية على علاقات السببية فقد كانت وجهة النظر الكلاسيكية إلى علاقات السببية فقد كانت وجهة النظر القديمة، تفترض أن كل ظاهرتين اطراد اقتران أحدهما بالأخرى، فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أن من المستحيل أن تنفصل إحدى الظاهرتين عن الأخرى، ولكن هذه العلاقة تحولت في منطق العلم الحديث إلى قانون الاقتران أو التتابع المطرد بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلى استحالة.

وأما على ضوء الأسس المنطقية للاستقراء فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة في إن الاستقراء، لا يبرهن على علاقة الضرورة بين الظاهرتين ولكنا نرى أنه يدل على وجود تفسير مشترك لاطراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته على أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته على أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلى ربط ظواهر معينة بظواهر أخرى باستمرار وهذه الحكمة نفسها تدعو أحياناً على الاستثناء فتحدث المعجزة.




ثانياً ـ لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره؟

ونتناول الآن السؤال الثاني وهو يقول: لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان بالذات، فتعطل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز على الساحة ويمارس دوره المنتظر؟

وبكلمة أخرى: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرر لها؟

وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً، فنحن نؤمن بأن الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم، غير أن هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود.

وعلى هذا الأساس نقتطع النظر مؤقتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها، في هؤلاء الأئمة المعصومين ونطرح السؤال التالي:

إننا بالنسبة إلى عملية التغيير بالمرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة على ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدّخر، عاملاً من عوامل إنجاحها وتمكنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟.

ونجيب على ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي:

إن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها مشحوناً، بالشعور، بالتفوق والإحساس، بضآلة الكيانات الشامخة، التي أُعِدَّ للقضاء عليها ولتحويلها حضارياً على عالم جديد، فبقدر ما يعمر قلب القائد المغير من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها وإحساس واضح بأنها مجرد نقطة على الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر قدرة من الناحية النفسية على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتى النصر.

ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ تطلبت زخماً أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.

ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم، بالجور، تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق، لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبارة، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أوجهها المختلفة، وخلافاً لذلك شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن تر تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الآخر ثم تداعت وانهارت، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ ثم رأى الحضارة التي يقدر أن تكوِّن الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبين، ثم شاهدها وقد اتخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر، ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة أخرى، ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدَّرات عالم بكامله، فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلى هذا العملاق ـ الذي يريد أن يصارعه ـ من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسه لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو) إلى الملكية في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرد أن يتصور فرنسا بدون ملك، على الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكرياً وفلسفياً إلى تطوير بالوضع السياسي القائم وقتئذٍ، لأن ( روسو) هذا نشأ في ظل الملَكَية وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغل في التاريخ، فلهب هيبة التاريخ وقوة التاريخ والشعور المفعم بأن ما حوله من كيان وحضارة، وليد يوم من أيام التاريخ تهيأت له الأسباب فوجد وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقى منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وإن الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلا أياماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.

هل قرأت سورة الكهف؟ وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وواجهوا كياناً وثنياً حاكماً، لا يرحم ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور بالتوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودب إليها اليأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم، ويظلم ويقهر الحق ويصغى كل من يخفق قلبه للحق، هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم؟ أنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين في ذلك الكهف، ثم بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه، قد تداعى وسقط وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرك ساكناً، كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم، ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكل ما تحمل من زخم وشموخ نفسيين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدد حياتهم ثلاثمائة سنة، فإن الشيء نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم والشجرة الباسقة وهي بذرة، الإعصار وهو مجرد نسمة.

أضف إلى ذلك: أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود، لأنها تضع الشخص المدخّر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة ومن ألوان الخطأ والصواب وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها، وكل ملابساتها التاريخية.

ثم إن عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى، قد بنيت شخصيته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها وخلافاً لذلك الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنه لا يتخلص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغيير ضدها، فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التي أعد لاستبدالها لابد أن تكون شخصيته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون في الروح العامة، ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته.




ثالثاً ـ كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

ونأتي الآن على السؤال الثالث القائل: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلا خمس سنوات تقريباً وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟

والجواب: إن المهدي (عليه السلام) خلَّف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكل ما في الإمامة من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.

والإمامة المبكرة ظاهرة مسبقة إليها عدد من آبائه (عليهم السلام) فالإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) تولى الإمامة وهو في الثامنة من عمره والإمام علي بن محمد الهادي تولى الإمامة وهو في التاسعة من عمره والإمام أبو محمد الحسن العسكري والد القائد المنتظر تولى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي (عليه السلام) والإمام الجواد (عليه السلام) ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة على عدد من آباء المهدي (عليه السلام) تشكل مدلولاً حسياً عملياً، عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أمة.




ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:

أ ـ لم تكن إمام الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية والواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته على أسس روحية وفكرية.

ب ـ إن هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان، في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً، في بالعالم الإسلامي يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذٍ، حتى قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.

ج ـ إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف على كفاءته للإمامة شروط شديدة، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان أعلم علماء عصره.

د ـ إن المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة، لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية على الأقل، الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات وقتئذٍ وباستمرار تقريباً حملات من التصفية والتعذيب، فقتل من قتل، وسجن من سجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات؛ وهذا يعني أن الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلفهم غالياً ولم يكن له من الاغراءات سوى ما يحس به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.

هـ ـ إن الأئمة الذي دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كل واحد من الأئمة الأحد عشر ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى وما كان قد أعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدسة من كل مكان لأداء فريضة الحج، كل ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.

و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن نخرج بنتيجة وهي: إن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام، لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع لابد أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته مع ما تقدم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة، أن تسلط على حياتهم وموازين شخصيتهم.

فهل ترى أن صبياً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبية فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حاله وبدون أن تكلف نفسها اكتشفا حاله وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟ وهب أن الناس لم يتحركوا لاستطلاع الموقف، فهل يمكن أن تمر المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟

وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكرة وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الاماميون، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ.

إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة، عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.

والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليس مجرد افتراض، كما إن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (عليهم السلام) يحيى (عليه السلام) إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا يحيى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكْمَ صَبيّاً)(3).

ومتى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخص إمامة المهدي (عليه السلام) وخلافته لأبيه وهو صغير.
رابعاً ـ كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول: هب أن فرضية القائد المنتظر ممكنة بكل ما تستبطنه من عمر طويل وإمامة مبكرة وغيبة صامتة فإن الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً، فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟

وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تاريخياً حقاً وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟

والجواب: أن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، وقد أحصى أربعمائة حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)ـ من طرق إخواننا أهل السنة(4) كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية(5)، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة.

وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر (عليه الصلاة والسلام) فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به.

ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين:


أحدهما: إسلامي

والآخر: علمي


فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر، وبالدليل العلمي نبرهن على أن المهدي ليس مجرد أسطورة وافتراض بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.

أما الدليل الإسلامي، فيتمثل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والتي تدل على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت ومن ولد فاطمة ومن ذرية الحسين وأنه التاسع من ولد الحسين وإن الخلفاء اثنا عشر، فإن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار على الرغم من تحفظ الأئمة (عليهم السلام) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام وقاية للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.

وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وإنهم اثني عشر إماماً أو خليفة أو أميراً على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلف.

قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة بما في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ومسند أحمد ومستدرك الحاكم على الصحيحين، ويلاحظ هنا أن البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري وفي ذلك مغزىً كبير، لأنه يبرهن على أن هذا الحديث قد سجل عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الإثني عشر فعلاً، وهذا يعنى أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له، لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب على النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الإثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أن هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: (إن الخلفاء بعدي إثني عشر).

وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءاً من الإمام علي وانتهاءاً بالمهدي ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.

وأما الدليل العلمي، فهو يتكون من تجربة عاشتها أمة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغرى.

ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى:

إن الغيبة الصغرى تعبر عن المرحلة الأولى من إمام القائد المنتظر (عليه الصلاة والسلام) فقد قدّر لهذا الإمام منذ تسلمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظل بعيداً باسمه عن الأحداث وأن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أن هذه الغيبة إذا جاءت مفاجأة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الإسلامية، لأن هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كل عصر والتفاعل معه والرجوع إليه في حل المشاكل المتنوعة فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية سببت هذه الغيبة المفاجاة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كله ويشتت شمله، فكان لابد من تمهيد لهذه الغيبة لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج وتكيف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى التي اختفى فيها الإمام المهدي عن المسرح العام غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوابه والثقاة من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي.

قد أشغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم نزاهتهم التي عاشوا ضمنها وهم كما يلي:

1 ـ عثمان بن سعيد العمري.

2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

3 ـ أبو القاسم الحسين بن روح.

4 ـ أبو الحسن علي بن محمد السمري.

وقد مارس هؤلاء الأربعة مهام النيابة بالترتيب المذكور وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهدي (عليه السلام).

وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحياناً وتحريرية في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتصالات غير المباشرة، ولاحظت إن التوقيعات والرسائل كانت ترد من الإمام المهدي (عليه السلام) بخط واحد وسليقة واحدة طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمري هو آخر النواب فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنواب معينين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبر التحول من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها لأنها حصنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيف وضع الشيعة على أساس الغيبة وتعدهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين إلى خط عام وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحول الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.

والآن بإمكانك أن تقدر الموقف في ضوء ما تقدم لكي تدرك بوضوح أن المهدي حقيقة عاشتها أمة من الناس وعبر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحد كل هذه المدة تلاعباً في الكلام أو تحايلاً في التصرف أو تهافتاً في النقل.

فهل تتصور (بربك) إن بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك ودون تأن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع وإيمانهم بواقعية القضية التي يدعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟!

لقد قيل قديماً ـ إن حبل الكذب قصير ـ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ولك هذه المدة وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء ثم تكسب ثقة جميع من حولها.

وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي والتسليم بالإمام القائد بولادته وحياته وغيبته وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد.




خامساً ـ لماذا لم يظهر القائد إذن؟

لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟

وإذا كان قد أَعَدَّ نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى أو في أعقابها بدلاً عن تحويلها إلى غيبة كبرى، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري، وقتئذٍ أبسط وأيسر وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية ولم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي؟

والجواب: إن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.

وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف بالموضوعية، لأن الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف.

ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى أنزلت آخر رسالاتها عل يد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.

والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير:

منها: ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف.

ومنها: ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.

فبالنسبة إلى عملية التغيير التي قادها مثلاً لينين في روسيا بنجاح كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرم العالمية الأولى، وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخرى جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلل فيه على داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها على الظهور السريع على المسرح.

وقد جرت سنة الله تعالى التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الرباني على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل وإفراغ مرير استمر قروناً من الزمن.

فعلى الرغم من قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلفاً بالإعجاز لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب، لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع عن تدخل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أحياناً فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكوِّن المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحياناً التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهيم، وإذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تشل وتفقد قدرتها على الحركة، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين احدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب، إلا أن هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب والمناخ الملائم لعميلة التغيير على العموم قد تكوِّن بالصورة الطبيعية ووفقاً للظروف الموضوعية.

وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي (عليه السلام) لنجد أن عملية التغيير التي أُعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقاً لذلك.

ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك، لأن رسالته التي أدخر لها من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، وإخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً وجواً عاماً مساعداً يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاذ عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسخ من خلال التجارب بالحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بنى مدركاً حاجته إلى العون، متلفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.

ومن الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كله، وذلك بما تحققه من تقريب المسافات والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.

وأما ما أشير إليه في السؤال من تنامي القوى والإرادة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أجَّل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية لأنه كان منهاراً قبل ذلك وفاقداً الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه.




سادساً ـ وهل للفرد كل هذا الدور؟

ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذي يقول:

هل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم؟

وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهته له في تحقيق حركتها؟

والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس إن الإنسان عامل ثانوي فيه والقوى الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلا التعبير الذكي عن إتجاه هذا العامل الأساسي.

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخرى من كتبنا المطبوعة إن التاريخ يحتوي على قطبين:

أحدهما: الإنسان

والآخر: القوى المادية المحيطة به

وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان يؤثر الإنسان أيضاً فيما حوله من قوى وظروف، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدأ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس، فالإنسان والمادة يتفاعلان على مر الزمن وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء.

فإن هذه الصلة تدخل حينئذٍ كقوة موجهة لحركة التاريخ؛ وهذا ما تحقق في تاريخ بالنبوات وفي تاريخ النبوة الخاتمة بوجه خاص، فإن النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بحكم صلته الرسالية بالسماء تسلم بنفسه زمام الحركة التاريخية وأنشأ مداً حضارياً لم يكن بإمكان الظروف الموضوعية التي كانت تحيط به أن تتمخض عنه بحال من الأحوال، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانية للفتاوى الواضحة.

وما أمكن أن يقع على يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع على يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشر به ونوه عن دوره العظيم.




سابعاً ـ ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

ونصل في النهاية إلى السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها، وهو السؤال عن الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتم على يد ذلك الفرد من انتصار حاسم للعدل وقضاء على كيانات الظلم المواجهة له؟

والجواب: المحدد على هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدر للإمام المهدي (عليه السلام) أن يظهر فيها على المسرح وإمكان افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي ترسم في ضوء ذلك الصورة التي قد تتخذها عملية التغيير والمسار الذي قد تتحرك ضمنه، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود وإن أمكنت الافتراضات والتصورات التي تقوم في الغالب على أساس ذهني لا على أسس واقعية عينية.

وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو افتراض ظهور المهدي (عليه السلام) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة.

وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتد وهذه النكسة تهيئ الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً فتشتغل النار التي لا تبقي ولا تذر ويبرز النور في تلك اللحظة ليطفئ النار ويقيم على الأرض عدل السماء.

وسأقتصر على هذا الموجز من الأفكار تاركاً التوسع فيها وما يرتبط بها من تفاصيل إلى الكتاب بالقيم الذي أمامنا، فإننا بين يدي موسوعة جليلة في الإمام المهدي (عليه السلام) وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الأعزاء وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر ـ حفظه الله تعالى ـ ( وهو الشهيد المرجع آية الله السيد محمد صادق الصدر) وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي (عليه السلام) في إحاطتها وشمولها لقضية الإمام المنتظر من كل جوانبها، وفيها من سعة الأفق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يعبر عن الجهود الجليلة الذي بذلها المؤلف في إنجاز هذه الموسوعة الفريدة، وإني لأحس بالسعادة وأنا أشعر بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وما تعبر عنه من فضل ونباهة وألمعية وأسأل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقر عيني به ويريني فيه علماً من أعلام الدين.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

وقد وقع الإبتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادى الثانية، سنة 1397 هـ، ووقع الفراغ منها عصر اليوم السابع عشر من الشهر نفسه.


 


الامام المهدي(ع) ومعه مواريث الانبياء

يقوم الامام المهدي(ع) ومعه مواريث الانبياء، وخاصة مواريث رسول الله(ص)...تلك المواريث التي لاتثمن بثمن ، ولاتقوم بقيمة فيا ترى ماهي مواريث الانبياء؟
الجواب: ليس المقصود من المرايث -هنا- مايتركه الميت لورثته من المال او غيره ، بل المقصود : هي الاشياء النفسية القيمة التي تركها الانبياء للاوصياء من بعدهم ، وانتقلت من وصي الى وصي.
وهذه المواريث وصلت الى رسول الله(ص) من الانبياء الذين كانوا قبله وبعد وفاة الرسول انتقلت تلك المواريث-مع مواريث رسول الله- الى خليفته الشرعي الامام علي بن ابي طالب امير المؤمنين(ع) ومن بعده الى الامام الحسن المجتبى(ع) وهكذا حتى وصلت الى خاتم الاوصياء الخليفة الثاني عشر: الامام المهدي المنتظر(ع) فهي الان موجوده عنده يحتفظ بها الى يوم ظهوره . والسؤال هو : ماهو دور هذه المواريث يوم ظهور الامام ؟
الجواب: انها تدل على اولوية الامام المهدي(ع) من سائر الناس بالانبياء والاوصياء وانه(ع) امتداد لنفس الخط السماوي الالهي ويستفاد منها لاغراض اخرى ايضا واذكر ماروي في هذا المجال
1- قال الامام الباقر(ع): اذا ظهر القائم(ع) ظهر براية رسول الله(ص) وخاتم سليمان ، وحجر موسى وعصاه. ولقد روي عن الامام الصادق(ع) انه قال- في حديثه عن راية رسول الله نزل بها جبرائيل يوم بدر … نشرها رسول الله(ص) يوم بدر ثم لفها ودفعها الى علي(ع) فلم تزل عند علي(ع) حتى اذا كان يوم البصرة نشرها امير المؤمنين ففتح الله عليه ثم لفها وهي عندنا لاينشرها احد حتى يقوم القائم فاذا هو قام نشرها...) واما خاتم سليمان .. فقد روي انه كان اذا لبسه سخر الله له الطير والريح واما حجر موسى وعصاه .. فقد قال تعالى(واذ استسقى موسى لقومه * فقلت اضرب بعصاك الحجر * فانفجرت منه اثنا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم ..)وقال سبحانه (واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هي تلقف مايافكون ..)وقال الامام الصادق(ع)عصى موسى قضيب آس ، من غرس الجنة، اتاه بها جبرئيل لما توجه تلقاء مدين) وقال الامام الباقر(ع):اذا خرج القائم... ويحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير(اي حمل بعير اشارة الى عظمة الصخرة وكبر حجمها).فلا ينزل منزلا الا نبعت منه عيون..
2- وقال الامام الصادق)(ع)ليعقوب بن شعيب الا اريك قميص القائم الذي يقوم عليه ؟ قال بلى . فدعى بقمطر ( وهو وعاء يحفظ فيه الكتب) ففتحه واخرج منه قميص كرابيس اي خشن فنشره فاذا في كمه الايسر دم . فقال (ع) هذا قميص رسول الله (ص) الذي كان عليه يوم ضربت رباعيته وفيه يقوم القائم . قال يعقوب بن شعيب : فقبلت الدم ووضعته على وجهي ، ثم طواه الامام ورفعه .
3- وقال الامام الصادق(ع) للمفضل بن عمر : اتدري ماكان قميص يوسف؟ قلت لا . قال : ان ابراهيم(ع) لما اوقدت النار عليه نزل اليه جبرئيل بالقميص والبسه اياه ، فلم يضر معه حر ولابرد ، فلما حضرته الوفاة جعله في تميمه وعلقه على اسحاق(ع) وعلقه اسحاق على يعقوب (ع) فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من اثره ماكان . فلما اخرجه يوسف (ع) من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله عزوجل (اني لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون) فهو ذلك القميص من الجنة قلت جعلت فداك الى من صار هذا القميص . قال (ع) : الى اهله وهو مع قائمنا اذا خرج .ثم قال(ع): كل نبي ورث علما -اوغيره- فقد انتهى الى آل محمد(ع) .
4- وقال الامام الصادق(ع) يكون عليه قميص رسول الله (ص) الذي كان عليه يوم احد ، وعمامته السحاب ، ودرع رسول الله السابغة وسيف رسول الله ذو الفقار ).
5- وقال الامام الباقر(ع) كانت عصى موسى لادم (ع) فصارت الى شعيب ، ثم صارت الى موسى بن عمران وانها عندنا وان عهدي بها انفا ، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها وانها لتنطق اذا استنطقت ، اعدت لقائمنا (ع) يصنع بها ماكان يصنع موسى بن عمران (ع) وانها تصنع ما تؤمر ، وانها حيث القيت تلقف - مايافكون- بلسانها).



بعض معجزات وكرامات الامام المهدي المنتظر عليه السلام

ظهور المعجزات الدالة على صحة إمامته في زمان الغيبة

بعض معجزات وكرامات الامام المهدي المنتظر عليه السلام

محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمد عليه السلام، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت معه مشيعا له، فوعك وعكا شديدا.
فقال: يا بني ردني(ردني) فهو الموت، واتق الله في هذا المال، وأوصى إلي ومات.
فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشئ غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط، ولا أخبر أحدا، فإن وضح لي شئ كوضوحه أيام أبي محمد عليه السلام أنفذته وإلا تصدقت به.
فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمد معك كذا(وكذا) في جوف كذا وكذا حتى قص علي جميع ما معي مما لم أحط به علما، فسلمت المال إلى الرسول وبقيت أياما لا يرفع بي رأس، فاغتممت.
فخرج إلي: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله.

عن علي، عمن حدثه قال: ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره(في) اليوم السابع، فورد لا تفعل، فمات اليوم السابع أو الثامن، ثم كتبت بموته فورد سيخلف الله غيره وتسميه أحمد ومن بعد أحمد جعفر، فجاء كما قال.

عن أبي عقيل عيسى بن نصر قال: كتب علي بن زياد الصيمري يلتمس كفنا، فكتب إليه: إنك تحتاج [إليه] في سنة ثمانين. فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته.

علي بن إبراهيم الرازي، قال: حدثني الشيخ الموثوق به بمدينة السلام قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف، فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد عليه السلام مضى ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية، وأعلموه بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطه عليه وعلى آبائه السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب أنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساء‌نا فيكم لا فينا، لان الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا.
يا هؤلاء ! ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تنعكسون؟ أو ما سمعتم الله عزوجل يقول: *(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) *؟ أوما علمتم ما جاء‌ت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم عليهم السلام؟ أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه السلام إلى أن ظهر الماضي عليه السلام، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون.
وإن الماضي عليه السلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل، وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خلفه ومن هو يسد مسده، لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر، ولولا أن أمر الله تعالى لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبين منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب.
فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الامر إلينا، فعلينا الاصدار كما كان منا الايراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلى الشمال، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة، فقد نصحت لكم، والله شاهد علي وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والاشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه، المضاد لربه، الداعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب.
وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداء‌ة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، عصمنا الله وإياكم من المهالك والاسواء، والآفات والعاهات كلها برحمته، فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليا وحافظا، والسلام على جميع الاوصياء والاولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.

حدثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الاشعري رحمه الله، أنه جاء‌ه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه فيه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها.
قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام وصيرت كتاب جعفر في درجه، فخرج الجواب إلي في ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله، والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا، وفضله علينا، أبى الله عزوجل للحق إلا إتماما، وللباطل إلا زهوقا، وهو شاهد علي بما أذكره، ولي عليكم بما أقوله، إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون، إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى.

يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا، ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا، ثم بعث إليهم النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتابا، وبعث إليهم ملائكة يأتين(1) بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة، والآيات الغالبة.
فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا، ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله، وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شئ، ثم بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، وتمم به نعمته، وختم به أنبياء‌ه، وأرسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبين من آياته وعلاماته ما بين.
ثم قبضه صلى الله عليه وآله حميدا فقيدا سعيدا، وجعل الامر [من] بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام ثم إلى الاوصياء من ولده واحدا واحدا، أحيى بهم دينه، وأتم بهم نوره، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والادنين فالادنين من ذوي أرحامهم فرقانا بينا يعرف به الحجة من المحجوج، والامام من المأموم.
بأن عصمهم من الذنوب، وبرأهم من العيوب، وطهرهم من الدنس، ونزههم من اللبس، وجعلهم خزان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عزوجل كل أحد، ولما عرف الحق من الباطل، ولا العالم من الجاهل.

وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه، أبفقه في دين الله؟ فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب، أم بعلم فما يعلم حقا من باطل، ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها، أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما، يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره قد تأدى إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهورة قائمة، أم بآية فليأت بها، أم بحجة فليقمها، أو بدلالة فليذكرها.
قال الله عزوجل في كتابه: *(بسم الله الرحمن الرحيم حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون * قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) *.
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه، والله حسيبه.
حفظ الله الحق على أهله، وأقره في مستقره، وقد أبى الله عزوجل أن تكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق، واضمحل الباطل، وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وآل محمد.

عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كنابا قد سئلت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولينا صاحب الدار عليه السلام.
أما ما سألت عنه أرشد الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عزوجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح عليه السلام.
وأما سبيل عمي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف على نبينا وآله وعليه السلام.
وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب.
وأما أموالكم فما نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع، فما آتانا الله خير مما آتاكم.

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله عزوجل، كذب الوقاتون.
وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله(عليكم).
وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي بن مهزيار الاهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكه.
وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام.
وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شعيتنا أهل البيت.
وأما أبوالخطاب محمد بن(أبي) زينب الاجدع [فإنه] ملعون

وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم وإني منهم برئ وآبائي عليهم السلام منهم براء.
وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران.
وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين.
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل يقول: *(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الابصار السحاب، وإني لامان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، فاغلقوا [أبواب] السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا

الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.

حدثني أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أو قال أبوالحسن(علي بن) أحمد الدلال القمي قال: إختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزوجل فوض إلى الائمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا؟ فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله تعالى، لان الاجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزوجل وقال آخرون بل الله تعالى أقدر الائمة على ذلك وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا.
فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فتسألونه عن ذلك فيوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الامر عجل الله فرجه، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: " إن الله تعالى هو الذي خلق الاجسام وقسم الارزاق، لانه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم، وأما الائمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق، إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم ".

عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: حدثني جماعة من بني نوبخت، منهم أبوالحسن بن كثير النوبختي رحمه الله، وحدثتني به أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أنه حمل إلى أبي [جعفر] رضي الله عنه في وقت من الاوقات ما ينفذه إلى صاحب الامر عليه السلام من قم ونواحيها.
فلما وصل الرسول إلى بغداد ودخل إلى أبي جعفر وأوصل إليه ما دفع إليه وودعه وجاء لينصرف، قال له أبوجعفر: قد بقي شئ مما استودعته فأين هو؟ فقال له الرجل: لم يبق شئ يا سيدي في يدي إلا وقد سلمته، فقال له أبو جعفر: بلى قد بقي شئ فارجع إلى ما معك وفتشه وتذكر ما دفع إليك.
فمضى الرجل، فبقي أياما يتذكر ويبحث ويفكر فلم يذكر شيئا ولا أخبره من كان في جملته، فرجع إلى أبي جعفر فقال له: لم يبق شئ في يدي مما سلم إلي(وقد حملته) إلى حضرتك، فقال له أبوجعفر: فإنه يقال: لك الثوبان السردانيان اللذان دفعهما إليك فلان بن فلان ما فعلا؟ فقال له الرجل: إي والله يا سيدي لقد نسيتهما حتى ذهبا عن قلبي ولست أدري الآن أين وضعتهما، فمضى الرجل، فلم يبق شئ كان معه إلا فتشه وحله وسأل من حمل إليه شيئا من المتاع أن يفتش ذلك فلم يقف لهما على خبر، فرجع إلى أبي جعفر(فأخبره).
فقال له أبوجعفر يقال لك: إمض إلى فلان بن فلان القطان الذي حملت إليه العدلين القطن في دار القطن، فافتق أحدهما وهو الذي عليه مكتوب كذا وكذا فإنهما في جانبه، فتحير الرجل مما أخبر به أبوجعفر، ومضى لوجهه إلى الموضع، ففتق العدل الذي قال له: افتقه، فإذا الثوبان في جانبه قد اندسا مع القطن فأخذهما وجاء(بهما) إلى أبي جعفر، فسلمهما إليه وقال له: لقد نسيتهما لاني لما شددت المتاع بقيا فجعلتهما في جانب العدل ليكون ذلك أحفظ لهما.
وتحدث الرجل بما رآه وأخبره به أبوجعفر عن عجيب الامر الذي لا يقف إليه إلا نبي أو إمام من قبل الله الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور، ولم يكن هذا الرجل يعرف أبا جعفر وإنما أنفذ على يده كما ينفذ التجار إلى أصحابهم على يد من يثقون به، ولا كان معه تذكرة سلمها إلى أبي جعفر ولا كتاب، لان الامر كان حادا(جدا) في زمان المعتضد، والسيف يقطر دما كما يقال: وكان سرا بين الخاص من أهل هذا الشأن، وكان ما يحمل به إلى أبي جعفر لا يقف من يحمله على خبره ولا حاله، وإنما يقال: إمض إلى موضع كذا وكذا، فسلم ما معك(من) غير أن يشعر بشئ ولا يدفع إليه كتاب، لئلا يوقف على ما تحمله منه.

حدثني أبومحمد يعني صاحب العسكر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام(أنهم) قالوا: كان لفاطمة عليها السلام خاتم فصه عقيق، فلما حضرتها الوفاة دفعته إلى الحسن عليه السلام، فلما حضرته الوفاة دفعه إلى الحسين عليه السلام.
قال الحسين عليه السلام فاشتهيت أن أنقش عليه شيئا، فرأيت في النوم المسيح عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه السلام، فقلت له: يا روح الله ما أنقش على خاتمي هذا؟ قال: انقش عليه لا إله إلا الله الملك الحق المبين، فإنه أول التوراة وآخر الانجيل.

أحمد بن محمد بن عياش، قال حدثني ابن مروان الكوفي، قال: حدثني ابن أبي سورة قال: كنت بالحائر زائرا عشية عرفة فخرجت متوجها على طريق البر، فلما انتهيت [إلى] المسناة جلست إليها مستريحا، ثم قمت أمشي وإذا رجل على ظهر الطريق فقال لي: هل لك في الرفقة؟ فقلت: نعم فمشينا معا يحدثني وأحدثه وسألني عن حالي، فأعلمته أني مضيق لا شئ معي ولا في يدي، فالتفت إلي فقال لي: إذا دخلت الكوفة فائت [دار] أبا طاهر الزراري فاقرع عليه بابه، فإنه سيخرج إليك وفي يده دم الاضحية، فقل له: يقال لك إعط هذا الرجل الصرة الدنانير التي عند رجل السرير، فتعجبت من هذا، ثم فارقني ومضى لوجهه لا أدري أين سلك.
ودخلت الكوفة فقصدت [دار] أبا طاهر محمد بن سليمان الزراري، فقرعت [عليه] بابه كما قال لي وخرج إلي وفي يده دم الاضحية فقلت له: يقال لك إعط هذا الرجل الصرة الدنانير التي عند رجل السرير، فقال: سمعا وطاعة ودخل فأخرج إلي الصرة فسلمها إلي فأخذتها وانصرفت.